دبي تصنع الفارق
من بعد نحو أربع سنوات من الانقطاع الاضطراري عنها بسبب الجائحة عدت إلى دبي، درة الخليج والإمارات وبؤرة الحركة والنشاط في المنطقة للمشاركة في الدورة الرابعة للقمة العالمية للحكومات التي تزامنت فعالياتها مع الأيام الأخيرة لمعرض إكسبو 2020، وهو الحدث العالمي الأبرز في منطقة الخليج والمهمة التاريخية الشاقة التي أنجزتها دبي ودولة الإمارات بصورة أدهشت العالم وسط ظروف استثنائية غير مسبوقة، ما جعل هذا البلد الشقيق يوصف بـ«دولة اللامستحيل».
سعادتي كانت غامرة بالتجوال في إكسبو وسط الأجواء الاحتفالية التي صاحبت يوم الوداع وتسليم الراية لمدينة أوسكا اليابانية التي ستتولى استضافة النسخة القادمة من هذا المعرض العالمي. أما ما زادني سعادة فهو حصول جناح المملكة العربية السعودية على الجائزة الذهبية للأجنحة المبنية من قبل الدول فئة A أي التي يزيد مساحتها عن 2500 متر مربع. والحقيقة أن السعودية نالت هذه الجائزة عن استحقاق وجدارة، فجناحها كان الأكثر استقبالاً للزوار منذ افتتاحه في أكتوبر الماضي (أكقرمن 5 ملايين زائر)، والأكثر ازدحامًا بدليل الطوابير الطويلة على أبوابه في كل حين.
أما القمة العالمية للحكومات، التي مثل تنظيمها قصة نجاح جديدة لدبي كونها ضمت أكبر تجمع عالمي حكومي في مرحلة ما بعد الجائحة بحسب تعبير دينمو القمة ورئيسها معالي محمد بن عبدالله القرقاوي، فقد اكتظت كالعادة بالمحاور والجلسات العديدة ذات الصلة بقضايا الساعة واستشرافات المستقبل والمتغيرات العالمية المتسارعة مثل: التغير المناخي، الانبعاثات الكربونية، الحكومات الرقمية الذكية، الأمن السيبراني، مستقبل قطاع الطيران، مدن المستقبل، التنمية المستدامة، المرونة والابتكار في العمل الحكومي، وغيرها، بمشاركة نخبة من صناع القرار والمسؤولين والمفكرين والخبراء من مختلف دول العالم.
ولأن الطاقة باتت اليوم العنوان المتصدر للنقاشات في كل مكان وسط الأزمة المستفحلة بين الغرب وروسيا الاتحادية، فقد استأثرت الجلسة الحوارية التي شارك فيها سمو الأمير عبدالعزيز بن سلمان بن عبدالعزيز وزير الطاقة السعودي ونظيره الإماراتي معالي سهيل بن محمد المزروعي تحت عنوان «هل العالم مستعد لمرحلة ما بعد النفط؟» بنصيب الأسد من الاهتمام والرصد والمتابعة، لسبب بسيط هو أن الدولتين الشقيقتين تمثلان ثقلاً نفطيًا عالميًا، وبالتالي فإن أي إشارة أو إيماءة منهما كفيلة بارتفاع سعر الخام. ولعل ما جعل الجلسة خبرا يتصدر نشرات الأخبار ومواقع التواصل الاجتماعي هو الطريقة الذكية التي أجاب بها سمو الأمير على الأسئلة المفخخة لمديرة الجلسة هادلي غامبل من قناة CNBC العالمية.
من عناوين جلسات المؤتمر الأخرى التي جذبت الاهتمام وحظيت بمتابعة كبيرة: «منعطف تاريخي لنظام عالمي جديد.. هل نحن جاهزون» (كلمة الدكتور أنور محمد قرقاش المستشار السياسي لرئيس دولة الإمارات العربية المتحدة)، «السمات الجديدة للقوى الصاعدة» (كلمة الدكتور جورج فريدمان رئيس مجلس إدارة جيوبوليتيكال فيوشرز)، «مستقبل نمو الاقتصاديات الناشئة» (حوار مع بيوش غوبال وزير التجارة والصناعة الهندي)، «مستقبل المال.. نماذج آسيوية مبتكرة» (حوار مع سيم ليم رئيس مجموعة DBS المصرفية السنغافورية)، «مستقبل التحالفات في عالم متفكك» (حوار مع الدكتور نايف الحجرف الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي وأحمد أبوالغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية)، «قصة مستقبل الوطن العربي.. يرويها شبابه» (كلمة سمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة ممثل جلالة ملك البحرين للأعمال الإنسانية وشؤون الشباب). هذا علاوة على إحدى الجلسات الرئيسية التي تحدث فيها سمو الشيخ الفريق سيف بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء / وزير الداخلية بدولة الإمارات مشيرًا إلى أن الأمارات، حتى في ظل تحديات الجائحة العالمية وأعبائها، لم تتوقف عن الانجاز، فكانت تقاوم الوباء بيد، وتصنع باليد الأخرى مدينة إكسبو 2020، وتطلق خطتها للخمسين عامًا المقبلة، وترسل مسبارها إلى الفضاء، وتشارك العالم في جهوده الإغاثية، وتتصدى لإرهاب الحوثي وطائراته المسيرة.
ومن الجلسات الحوارية المبتكرة التي أمتعت الحضور بعفويتها، تلك الجلسة التي جمعت ما بين أول وزيرة في تاريخ الإمارات (الشيخة لبنى بنت خالد القاسمي) وأصغر وزيرة في العالم (شما بنت سهيل المزروعي وزيرة الدولة لشؤون الشباب في الحكومة الإماراتية) في حوار شيق وملهم حول تجربة وشعور كل منهما في إدارة العمل الحكومي والعقبات التي اعترضت طريقيهما وما فعلتاه لتجاوزها.
إلى ذلك احتفت القمة من خلال جلسة حوارية خاصة بـ «ملك القلوب» البروفسور المصري الجراح مجدي يعقوب، حيث سرد الأخير تفاصيل مسيرته الناجحة في خدمة مرضى القلب وجهوده في تأسيس مركز متخصص بمدينة أسوان لاستقبال الأطفال المرضى من جميع أرجاء العالم، كما وجه رسالة إلى كافة الشباب دعاهم فيها إلى أن يكونوا فاعلين وناجحين في مجتمعاتهم، موصيًا إياهم بالتحصيل والتخصص والمثابرة، والتواضع والعطاء وكسب محبة الناس، وعدم اليأس والاستسلام.